تهتم مجلة سومر بنشر:

19‏/03‏/2015

المجد للعصفور.. بقلم/ الكاتب صبري حسن






 المجد للعصفور
يقيني-واعتدت ألا يكون لي يقين- أن هذه الغيمة السوداء الحبلى بالماء، لن تمر.
ستحجب وجه الشمس طويلا، وتتنصت لصوت الريح وهو يهزمنا ويفرقنا، أو يسجننا خلف جدران البيوت.
أتابعها بإصرارٍ من خلف زجاج نافذتي. تقف كحجاب يغطي عين الشمس، لا عن تَدَيُّن ولا امتثال لأوامر ونواهي ربانية، بل لإضفاء مزيد من الرهبة ونشر الفزع والخوف في القلوب المتوثبة نحو الشمس، نحو الضياء والسعي.
قبل بزوغ الغيمة السوداء، لم يكن لدي يقين، كل ما لدي شك، وظن واعتقاد.
ربما تماديت قليلا، فظننتني نتاج حلم، يداعب روح كائن هلامي نائم، ما إن يستيقظ من حلمه إلا واختفيت كأن لم أكن.
هكذا، دون وداع، بلا موت، ولا مشيعين ولا قبر.
كم تساءلت متى يصحو هذا المأفون؟.
أليست له زوجة تضيق بنومه في الساعات القليلة التي يتواجد فيها بالمنزل بين أولاده؟.
ألم يحن وقت طعامه؟.
ألم تضج مثانته بالماء المحبوس فيها فتوقظه ليفرغها، قائما أو قاعدا؟..
بعدما استولت الغيمة على شمسي، وُلد لدي يقين.
ما دام اليقين موجودا، فأنا لست حلما...
أنا أعيش تحت ظلال الغيمة، حبيس جدراني، يغاتبني الضياء الذي أشتاق لمواجهته، وتلوكني الظلمة التي أحياها.
من لي بجناحين لأحلق عاليا كهذا العصفور الذي ينقر في كبد الغيمة؟ لعلها ترحل.
أو تفرغ ما بجوفها فتتلاشى.
زمجرت الريح، اقتتال صارخ بينها وبين الغيمة.
لأول مرة أعشق ريح الشتاء...
هاهي تجاهد كي تزحزع العتمة..
تضرب العصفور دون وعيٍ...
يصدها بجناحيه الصغيرين ويقاوم...
يالك من عصفور...
ثمة أمل يراود العتمة عن نفسها، يمزق حجب اليأس...
ثمة شعاع ضوء يغوص في بطن العتمة ويخرقها إلينا...
يقين أول يتهاوى أمام شعاع ضوء واحد...
تتفتت الغيمة إلى آلاف القطرات الصغيرة...
تتهاوي فتغسل الشوارع والبيوت والأشجار والمساجد والكنائس...
تغسل الجميل بلا استثناء...
وتختفي الغيمة...
تشرق الشمس..
وتمتلئ الشوارع بالعصافير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق