تهتم مجلة سومر بنشر:

13‏/01‏/2017

موت موظف.. قصة قصيرة للكاتب الروسي أنطون تشيخوف    




موت موظف.. 



فى أمسية لطيفة، كان ايفان ديمتريتش كريبكوف، وهو موظف يقوم بعدة مهام لا يقل لطفا عن تلك الأمسية اللطيفة، جالسا في الصف الثاني من المقاعد الأمامية يشاهد (أجراس نورماندى) بواسطة منظار الأوبرا. كان يتفرج وقد اعتراه شعور بأنه يعتلي قمة العالم. ولكن فجأة… غالبا ما يصادفك هذا… في القصص القصيرة، والكتاب على حق: الحياة مليئة بالمفاجآت! ولكن فجأة، عندئذ، يتقلص وجهه، وتبحلق عيناه إلى أعلى، وينقطع نفسه ـ ينزل منظار الأوبرا وينحني إلى أمام، و… أتشوو !!! يعطس، بعبارة أخرى. ولكن العطاس ليس ممنوعا على أي أحد وفي أي مكان. الفلاحون يعطسون، ورؤساء الشرطة يعطسون، وأحيانا حتى الموظفون من الدرجة الثالثة يعطسون. كل إنسان يعطس. لم يحس كريبيكوف بالإحراج أبدا، وإنما بكل بساطة مسح أنفه بمنديله، ولكونه من النوع المؤدب من الناس ، نظر حواليه ليرى فيما إذا كان قد أزعج أحدا بعطاسه. عندئذ وجد سببا للشعور بالإحراج. رأى أن السيد العجوز الضئيل الجالس أمامه في الصف الأول، كان يمسح بعناية قمة رأسه والجهة الخلفية من رقبته بقفازه، ويتمتم بشيء. وقد تعرف كريبيكوف في شخصية السيد العجوز على الجنرال شبريتسالوف، وهو موظف من الدرجة الثانية في وزارة الاتصالات لقد تطاير الرذاذ عليه، فكر كريبيكوف

– .. إنه ليس رئيسي، هذا صحيح، ولكن مع ذلك، إنه عمل محرج. يجب أن أعتذر إليه.
وهكذا وهو يتنحنح وينحني إلى أمام باحترام ويهمس في أذن الجنرال:
– عفوك، سيدي، لرشك بالرذاذ. لم يكن مقصودا أبدا
حسنا، حسنا
– أرجوك، أرجوك أن تصفح عني.. أنا… أنا لم أقصد ذلك
– أوه ، اجلس، أرجوك، لا أستطيع سماع الأوبرا
أربك ذلك كريبيكوف، فكشر عن ابتسامة سخيفة وجلس وبدأ يرقب المسرح من جديد. كان يتفرج، إلا أنه لم يعد يشعر بأنه يعتلي قمة العالم. بدأ يشعر بوخزات من القلق. وفى فترة الاستراحة ذهب إلى شبريتسالوف ومشى معه مشية جانبية، وتغلب على خجله وقال متلعثما:
– لقد رششتك بالرذاذ، يا صاحب السعادة، … أرجوك اغفر لي … أنا … لم يكن
– أوه، بالله عليك… لقد نسيت ذلك تماما، فلماذا تكرر ذلك على سمعي
قال الجنرال ذلك، وعض على شفته السفلى بنفاد صبر
– هـ .. م م.. إنه يقول أنه قد نسى
فكر كريبيكوف وهو يحدق إلى الجنرال بعدم اطمئنان
– لكن مزاجه في أسوأ حال. إنه يرفض حتى الكلام في هذا الموضوع. يجب أن أوضح له بأني لم أرد…. – وأن العطاس قانون من قوانين الطبيعة… وإلا ربما فكر بأني عنيت أن أبصق عليه. وإن لم يفعل الآن، قد يفعل في وقت لاحق
وعندما وصل كريبكوف البيت، أخبر زوجته عن مخالفته للأصول والآداب. وشعر بأن زوجته قد تلقت الحادث بشيء كثير من عدم المبالاة: في البداية تولاها الفزع تماما. ولكن حالما علمت أن شبريتسالوف كان رئيس شخص أخر، هدأت نفسها ثانية
– مع هذا، اذهب إليه واعتذر له
قال
– .. وإلا أعتقد أنك لا تعرف التصرف في المحلات العامة.
– هذا صحيح. لقد اعتذرت له فعلا، لكنه تصرف بشكل غريب … لم أستطع أن أحصل منه على كلمة واحدة ذات معنى. لم يكن هناك وقت كاف لمناقشة الموضوع من جهة أخرى .
فى اليوم التالي ، ارتدى كريبيكوف بدلته الجديدة وشذب شعره وذهب إلى شيريستالوف ليوضح له.. لما دخل غرفة المراجعين للجنرال رأى صفا من الناس هناك ، وفى وسطهم كان الجنرال نفسه الذي كان قد بدأ لتوه بسماع العرائض. وبعد النظر في مشاكل بعض مقدمي العرائض رفع الجنرال نظره تجاه كريبيكوف
– أمس في مسرح الاركيديا، يا صاحب السعادة، لو تذكر.. بدأ الموظف الصغير كلامه
– عطست، يا سيدي، و.. عن غير قصد، تطاير الرذاذ. اغفـ
– كفى هراء، أيها السيد! …. إنك تضيع وقتي. الذي بعده
قال الجنرال وهو يدير وجهه إلى مقدم عريضة أخر
– إنه يرفض حتى التحدث في الموضوع
فكر كريبيكوف وقد امتقع وجهه
– لا شك أنه غاضب، إذن … لا، لا أستطيع أن أترك الموضوع عند هذا الحد… يجب أن أوضح له.
عندما انتهى الجنرال من مقابلة أخر واحد من مقدمي العرائض، وأخذ طريقه عائدا إلى المختلى الداخلي من القسم، أسرع كريبيكوف موسعا خطاه وراءه وتمتم قائلا:
– صاحب السعادة! إن تجرأت وأزعجت سيادتكم، فذلك فقط بدافع الشعور بالــ … بالندم العميق، كما يقولون.. أنا لا أفعل ذلك عن قصد، سيدي يجب أن تصدقني
أدار الجنرال وجهه منزعجا ودفعه جانبا
– هل أنت تحاول أن تكون مضحكا، أيها السيد؟
قال، واختفى خلف الباب
– مضحكا؟
فكر كريبيكوف
– … أنا ، بالطبع، لا أحاول أن أكون مضحكا! يسمي نفسه جنرالا ولا يفهم. حسنا، إذا كان سيتعالى ويشمخ بأنفه فلن أعتذر منه بعد ذلك. ليذهب إلى الجحيم. لا مانع عندي من كتابة رسالة إليه، إلا إنني لن أقطع كل هذا الطريق ثانية وآتي إليه. لا، أبدا
هذا ما كان يدور فى ذهن كريبيكوف وهو في طريقه إلى البيت. لم يكتب إلى الجنرال، على أية حال فكر وفك، إلا أنه لم يستطع أن يجد ما يقول وهكذا، في الصباح التالي، كان عليه أن يذهب إليه ليوضح له شخصيا
– أمس، جئت وأزعجت سعادتكم
بدا متلعثما.. عندما رفع الجنرال ناظريه إليه متسائلا
– .. ليس لأحاول أن أكون هازلا، كما تفضلتم وقلتم. جئت لأعتذر للعطاس ورشكم بالرذاذ، يا سيدي – لم يخطر ببالي أبدا أن أكون هازلا. كيف أجرؤ أن أضحك؟ لو بدأ كل واحد منا بالضحك على الناس الذين حوله، لن يبقى احترام لأحد، ها، في العالم
– انصرف
جأر الجنرال فجأة، وقد تورد وجهه واستشاط غضبا
– ما… ماذا؟
قال كريبيكوف هامسا، وأغمي عليه من الفزع
– انصرف
كرر الجنرال قوله، وضرب الأرض بقدمه
شعر كريبيكوف بشيء ينهش أحشاءه. وبدون أن يرى شيئا أو يسمع شيئا، ترنح إلى الوراء نحو الباب ووصل الشارع وغادر هائما. دخل بيته بصورة آلية، ودون أن ينزع بدلته ارتمى على الأريكة و.. مات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق