تهتم مجلة سومر بنشر:

23‏/05‏/2017

يمشي بها عكازان.. قصة قصيرة بقلم الأديبة: خديجة أجانا


يمشي بها عكازان... أعميان تقودهما بحذر. تفتح عينيها صباحا تجدهما كحاجبين ماثلين بين يديها في انتظار إشارتها. تشد ضلوعها بمشد و ذراعها الأيسر بآخر .تتأبطهما وتقول بلهجة آمرة:"امشيا بي ولا تخذلان. يكفيني الخذلان من البشر والقدم."
يمشيان بها، يستقيم مشيهما حينا و يجنح أحيانا فلا تسلم من حوادث جديدة. بعصبيتها المعهودة، ترميهما بعيدا عنها و تلوذ بصلابة الجدار وثباته. لا تلومهما، لكنها تلوم نفسها و تمعن في تعنيفها لأنها أهملت حق جسدها عليها حين قصرت في مده بما يلزمه ليبقى قويا متماسكا فوهن و ترققت عظامه وصارت عرضة للإصابة بالكسور... 
في زاوية عند مدخل البيت، يقبع صامتا، يراقب حركاتها وينتظر لحظة انهيارها اليومية لترتمي في حضنه وتحرك عجلاته. تنظر إليه و تهمس: " لم يحن أوانك بعد، أخاف أن أدمن حضنك فلا أستطيع الإقلاع عنه. " لكنها في الحقيقة تخاف أن تخسر "وزن النملة." كذلك قال. لا يهم من كان، و لا يهم إن كان قوله مدحا أم ذما. كل ما يهمها ألا تخسر ذلك الوزن. ركبتاها لن تتحمل أي زيادة و صحتها لا تسمح باتباع حمية غذائية أو تمارين رياضية لإنقاص الوزن. 
تتشابه أيامها الرتيبة داخل منفاها الإجباري، منقطعة عن العالم الخارجي بكل ما يدور فيه من أحداث ساخنة ومن تغيرات في الجو و الطباع البشرية المتقلبة تقلب الفصول... يغادرها الفرح مفسحا الطريق أمام الحزن ليسكن أعماقها و يتناسل. 
تقود عكازيها إلى شرفتها لتشم نسمة هواء وتستفيد  من أشعة الشمس لتؤمن حصتها من فيتامين د، لا تكاد تصل حتى تجده لها بالمرصاد، الربيع الخائن، لا يكتفي بخيانتها ولا يكفيه ما تعانيه من عجز وضعف و ... 
 يغيظها مغازلا متوددا ،تغض طرفها عنه، يكشف عن مفاتنه ومحاسنه ويعربد في شرفتها ساخرا. نكاية فيه، تغلق باب الشرفة، تضرب عن الخروج إليها، و تسدل جميع الستائر في انتظار حلول الصيف...
"هل يفي الصيف بوعوده القديمة ؟" تسأل نفسها و تأمل أن تتخلص من منفاها بحلوله. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق