تهتم مجلة سومر بنشر:

23‏/09‏/2017

أيامٌ جريحةٌ في ذاكرتي.. بقلم: هيام الشرع




موسمُ تبادلِ الشتائمِ واللّعناتِ بين الأكرادِ والعربِ- العراقيين- في مواقعِ التواصلِ الاجتماعيّ المختلفةِ؛ يزدادُ حدّةً خاصةً خلال هذه الفترةِ، التي يصرّ فيها السيد مسعود البرزاني على إجراءِ الاستفتاءِ الذي يريدُ أن يؤكد من خلاله على رغبةِ الشعبِ الكردي بالانفصالِ عن العراق، لقد فتحَ بإصرارهِ هذا الأبوابَ على مصراعيها لاحتضانِ فتنةٍ أخرى أشدّ حمقًا، قد تَسوقُ الجميعَ إلى مالا يُحمد عقباه. 

الشعبُ الكردي كما عرفناه شعبًا طيّبًا، أصيلًا، مناضلا، كريمَ الطباع مسالمًا، والكثير منهم تصاهروا مع العربِ، وانتشروا وسكنوا مختلف المحافظاتِ العراقية، وتآلفوا واندمجوا مع اللّحمة العراقيةِ؛ لكنّ من يَسْعَوْنَ لخلقِ البَلْبَلَةِ وخلقِ الفتنِ- وهذا عهدنا بالطامعين بثرواتنا والغازيين لأرضنا- يغذّون العقولَ بالسمومِ في محاولةٍ لبثِّ الفوضى وزرعِ الكراهيّة وإثارةِ حِمَمِ الحروبِ من أجلِ استمرارهم وتحقيقا لمصالحِهِم الدنيئةِ .. 

في زيارتي الأولى لأربيل منذ عامين مضتْ، والتي تَبِعَتْها زيارةٌ لبغداد بعد أنْ غادرتُها لأكثر من ربع قرن؛ أُولى صدماتي أهداها لي موظّفُ الجوازات في مطارِ أربيل، ثم تتابعتْ الصدماتُ بينَ أربيل وكركوك وبغداد...
أصابني الذعرُ والإرهاقُ وتأزّمتْ حالتي النفسيّة، آلمني ما واجهته من قبل المسؤولين في الجهاتِ الأمنيّة والحكوميّة من عرقَلةٍ وتأخيرٍ في إتمامِ معاملاتي الشخصيّةِ بسبب احتقارِهِم لجنسيّتي وللغتي العربية...، بينما من خالطْتُهُم من الجيران ومَنْ تعاملتُ معهم من الباعةِ وسائقي التاكسيات والأطبّاءِ وأصحابِ المطاعمِ من الأكراد؛ كانوا في قمّةِ الأخلاقِ والكرمِ والتواضعِ والمحبّةِ والإنسانيّة.
...............

(رحلتي وبيادق العذاب...)

قَلَّبَ صفحاتِ جوازيَ ووجهه مُكْفَهِر سألني...

: ■ من أين قدمت ؟
● من الإمارات العربية.
■ ما سبب زيارتك؟
● اشتقتُ لبلدي فأنا عراقيّة.
■ إذن تحتاجين لإقامة.
● الإقامة !! ما السبب.
■ لأنّكِ لست بكردية.
● لكنّني عراقية.
■ لا يهم ما دمت غير شرعيّة.
● وجنسيتي ألم تَعُدْ لها أهميّة؟
■ عندنا ليست لها أهميّة.
●لماذا؟
■لأنّك مختلفة عنّا في القوميّة!!
-----------------
لكن لماذا نُلقي بقنابلنا الملغّمةِ بالكرهِ والملامةِ على عنصريّةِ الشعبِ الكرديِّ، ولا نُلقيها على العربِ العراقيين المدجّجين بالطائفيةِ التي تتآكلنا كلّ يوم، ونقدم لمذبحِها الآلافَ من أبنائنا بلا تمييز ولا عقلانية! 
لما لا نستوعب أنّنا شعب قد غُرِّرَ به ليكون السكّين التي تُسْكِتُ نبضَ قلبه إلى الأبد ! 
ما بالكم يا قوم...؟ هذا عراقنا الذي أنشدتْ له الملائكة أعذبَ أناشيدِ الحبّ والوفاء...
وحين يُطِلّ الشفقُ كلَّ يوم؛ يلمعُ كأكبرِ نجمٍ في السماء، وإن ظَمِئَتْ شمسُ الكون؛ أطفئتْ لهيبَ عطشِها من جديلَتَيْهِ دجلةَ والفراتِ .. 
كيف نتركُهُ لرياحِ السموم، تحملُه أذرعُ الويلات ونقفُ عاجزين عنه مترنِّحين كالسكارى نُزْفِرُ آهاتِ خنوعٍ على سجّادةِ الوجعِ في كلّ صلاةٍ. 
مَرَرْتُ بعدّةِ دوائر حكوميّة...؛ لم أستطعْ الحصول على أوراقيَ الرسميّة، ولا حتّى على تواقيع مصيريّة لتصديق شهاداتي وحسمِ قضايا قانونيّة ...؛ فالأغلبُ منغمسٌ بموضوع الرشاوي والمحسوبية 
لا قانون ولا عدل ولا أمان ولا حريّة.
------------------

(تلظّتْ روحيَ؛ فبكيتُ...)

في بغدادَ سألني سائقُ التاكسي:- 

■ أين وجْهَتُكِ؟
● إلى بقعةٍ كانتْ فيها سكينتي...، غادرتُها ذات يوم إلى عُمُرٍ في غربتي...، كم اشتقتُ إليكِ يا بغداد حبيبتي...!
■ مع مَنْ ستُقيمينَ ؟
● وهلْ لي غير أهلي وعشيرتي؟!
■ لا تؤاخذيني أنْ سألتك أيّ مذهب تتّبعين. 
●الإسلام طبعا.
■ أعلمُ من حجابِكِ أنّك مسلمةٌ، ولكنْ أيّ مذهب تتبعين؟
● الإسلام.
نظر إليَّ في المرآة نظرةَ سواد وكرّر السؤالَ في تحدٍّ وعنادٍ:
■ حسنًا، قصدتُ هل أنتِ شيعيّة أم سنيّة؟
●أنا .... مسلمة.
عذرا لا أتقبّلُ فضولَكَ ولا تهمّني أسئلتُكَ الغبيّة،
وأرجو أن لا تخوضَ معيَ في تلك الأمورِ الجاهليّةِ ، لستُ مِمَّنْ يَدَّعونَ حبَّ بلادِهِم وقلوبهم تغصّ بالكراهيّةِ، 
ولستُ مِمَّنْ يؤمنونَ بأفكارِ الإرهابِ الداعشيّةِ،
أرفضُ حتّى الموت تجرّعَ سمومِ الطائفيّةِ،
أتعلمُ يا هذا مَنْ أنا؟
أنا ابنةُ حضارةٍ خالدةٍ لم تنشأ من فوضى وعبثيّة،
أفكاري طرّزْتُها بأُسِسِ حمورابي في العدلِ والحريَةِ،
وهويّتي رغم كل القروحِ والشروخِ؛ ستبقى عربيّة،
وفخرٌ لي وعزٌّ أنَّ جنسيّتي عراقيّة. 
--------------- 
بعدها تركتُ جميعَ أوراقي...
ومسحتُ بكفّي دموعَ أشواقي،
وَلَمْلَمْتُ أذيالَ حُزني وشَتاتي،
وحملتُ حقائبي التي بَكَتْ لبكائي
وحلمًا كبيرًا قدْ تشكّل في أحداقي...،
أن أعودَ إليكَ يا وطني ذات يوم؛
وقدْ عُدْتَ إلينا حَياً مُعَافى ، 
من جَميع الطَعناتِ.

هناك تعليق واحد: